»نشرت فى : الخميس، 15 أغسطس 2019»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

"ومن جديد مرة أخرى" - قصة مُترجَمة


ومن جديد مرة أخرى

ترجمها عن العبرية: محمد رجب

شخصيات القصة
הדמויות המרכזיות / الشخصيات المركزية .

1 דניאל (דן)  دانيال أو دان : زوج چين. 
2 ג׳ין / چين : زوجة دانيال.
3 ג׳ימי (ג׳ים) چيمي أو چيم: الابن الأول لدانيال وچين.
4 אליס / آليس : الطفلة الثانية لدانيال وچين ولدت في غياب دانيال عن حياتهم.
5 פיית' / باييث : الطفلة الثالثة لدانيال وچين ، ولدت في حضور دانيال معهم.

הדמויות המשניות / الشخصيات الثانوية :
קן / كين : صديق دانيال.

1- صدمة :
أنطفأت الشمس في ذلك اليوم الذي اخبروا فيه (چين) أن (دانيال) قد لقي حتفه، كان ذلك في نهاية فصل الخريف مباشرة مع نزول القليل من مياه المطر الخفيفة غير الضارة أنذاك باستثناء عاصفة المساء القادم. حل فصل الشتاء بعد هذا اليوم فجأة وقد توارت الشمس بين السحب السوداء المحملة بالمزن الثقيلة حتى جاء الصيف بعد بضعة أسابيع. فالشتاء الذي قُتل فيه دانيال في بريدچ تاون كان أكثر شتاءً هائجًا عرفته البلدة منذ حوإلى خمسة وسبعين عاما.

"أنا آسف، چين… "
"ماذا حدث ؟ كين ماذا حدث ؟!"
" لم ننجح في العثور عليه يا چين …. نعتقد أنه قد مات."

عرفت چين أن هناك شيئا سيحدث في المساء القادم. تأكدت أنه هناك شيئا ليس على ما يرام في اللحظة التي وصلت فيها عقارب الساعة إلى الثامنة مساء ولم يعد دانيال بعد. فقد أنتهي الصيف وحل الظلام مسرعا في اوقات النهار حتى قصرت، ليس لديه ما يفعله بعد السادسة مساء، فهي قد قامت بتحذيره لأنها أحست بأن شيئا ما على وشك أن يحصل له.

"دانيال، لا تخرج اليوم. " 
" هل تشعرين بسوء ؟ أتريدينني أن اظل معك ؟! " 
" لا، فأنا بخير، فقط قالوا أن الجو سيكون هائجًا اليوم وربما هذه العاصفة لن يسبق لها مثيل فلا تخرج اليوم. "
" چين أنظري بالخارج، الجو صافي، ليس هناك احتمال للمطر في غضون الساعات القادمة." 

صدقته فهو صياد ابن صياد عرف البحر والسماء وعلامات الطقس كما عرف مزاجها المتقلب. 

ما كان يتوجب عليها أن تصدقه بل تكذب عليه وتخبره بأنها مريضة، كان سيظل معها اذا طلبت منه ذلك، كان محظور عليها أن تسمح له بالخروج إلى هناك، ليس الآن والعاصفة على وشك أن تبدأ. 
لكنها تقينت بأنه سيرحل بأي طريقة ولن يغير رأيه شيء بالنسبة لشخص نشأ على شاطئ البحر منذ لحظة ولادته ما كان عليه أن يبتعد عن البحر لمدة زمنية طويلة. فهو اراد أن يخرج مرة واحدة فقط قبل مجيئ الشتاء فقد جلست على السرير وأحاطت بيديها بطنها التي كبرت من الحمل ونظرت إليه عندما ارتدي ملابسه البحرية، فقبلته، وعادت إلى عملها وحاولت أن تنزع من قلبها الأحاسيس المتناقضة، لكن العاصفة هبت مبكرا مما كان متوقعا لها وهذا ما قلقت منه، وكلما مر الوقت شعرت بالغثيان من شدة القلق، وعندما حل المساء وهو لم يعد بعد لم تستطع أن تتحمل هذا القلق والتوتر أكثر وتواصلت مع (كِن) 

"... ألم يصل بعد !؟.. ليس جيدا ستهيج المياه كثيرا بالمساء "
" كن, أتستطيع أن تجده !؟ أنا خائفة أن شيئا ما قد حدث " 
" تعرفين كم اكون سعيدا اذا خرجت ياچين لكن حتى قارب النجاة لا يمكنه النجاة في هذه المياه سنضطر للانتظار حتى غدا " 
"غدا … لكن... حسنا حسنا "
" لحظة ! ربما عاد في وقته لكنة ظل عند (بارتا) ليتدفئ قليلا. 
اذا كان في المياه مع تواجد العاصفة فهو بالتأكيد متجمد الآن ومن الممكن أنه دخل ليشرب قهوة ويأكل عند (بارتا) قبل أن يعود " 
" كان يجب أن يتواصل معنا يا كن"
"غدا أعدك غدا سيكون اول شيء هو البحث عنه " 
"لقد بحثوا عنه لمدة 3 ساعات وقاموا بتمشيط المياه التي ما زالت حالكة الظلام منذ العاصفة، أبحروا ذهابا وايابا وفحصوا مناطق الصيد والمناطق البعيدة، وفي النهاية وجدوا قاربه مقلوبًا ومحطمًا، وقطع ممزقة من معطفة ذو اللون الاصفر مبعثرة حول القارب، وجدوا قبعته البرتقالية على بعد 2 كيلومتر من القارب.
فعندما انتشلت الرافعة القارب المقلوب وقاموا بتفتيش قاع البحر كان ذلك أملا في إيجاد جثته. فشخص غيره مع هذه العاصفة ما كان لينجو من تحت الماء.
أحضر لها كن تلك القبعة ذات اللون البرتقالي.
تأكدت في تلك اللحظة عندما رأته ينزل من سفينة الإنقاذ وبيده القبعة وعندما اقترب منها يخبرها بأنهم لم يجدوا شيئا لم تجب عليه لكن يديها تشبثت بالدرابزين بكل قوة حتى ابيضت مفاصل يداها. 
اخبرها كن بأنه متأسف وحاول أن يخفي عنها ألمه حتى يعزيها، لقد بذل قصاري جهده لكن كل ما استطاع أن يفعله كان احتضانها بكل قوة.

"سنستمر في البحث أياما أخرى " بدأ صوته يرتعد وتوقف لبرهة، نظر3إلى القبعة البرتقالية المبتلة وبينما كان يمسكها قال: " ربما ننجح في في إيجاد ال…. ال…. " لم يستطع أن ينطق تلك الكلمة.
توجهت چين إلى ممر الدرابزين تفكر في أن تقفز إلى الماء وجهها منتحبا من شدة الالم، فسقطت من عينيها الدموع إلى المياه العتمة الخائنة المياه التي قتلت زوجها وتتظاهر الآن بالسكينة والهدوء ! 

2- إنكار: 
في غضون أيام جلست چين في بيتهم الصغير او واقعيا بيتها الصغير التي توجب عليها أن تذكر نفسها بهذا عشرات المرات، جلست صامتة واحتضنت ابنها الصغير چيمي الذي لم يتوقف عن طرح الاسئلة بصوته الطفولي وضغطت بيدها على شعره المجعد اللامع. اخبرها دانيال دائما بأنه يملك نفس شعرها لامع ومموج وكان يضحك دائما على شعرها قائلا بأنها يجب أن تقصه لأنه لاحقا ستجلس  عليه بالخطأ ويتسخ أليس خسارة !؟ ضحكت بكل براءة وفجأه ارتعدت عندما تذكرت أن دانيال لن يكون معها ليداعب شعرها او تتطورعلاقاتهما مرة أخرى. 
توقفت أنفاس چين وامسكت دموعها من النزول قبل أن يراهم چيمي ويدخل في طرح الاسئلة، فقد اقاموا طقوس الجنازة بعد أندلاع العاصفة باربعة ايام ، عدم ايجاد جثته كان سببا في عدم اقامة مأتمه لكن الالم لفقدانه كان عظيما وكافيا ولم تقل چين اي كلمة في مراسم الجنازة، سمحت فقط للاصدقاء والجيران أن يقولوا كلمات مديح ممزوجه بالحزن فعلى كل حال لم تستطع أن تصف الامها في مجرد كلمات. عندما أنتهت مراسم الجنازة اخذت چيمي في يديها وعادت إلى البيت وشعرت بالوحدة بالرغم من وجود الناس حولها والذين اكدوا لها أنهم بجانبها دائما، لقد زاروها كل يوم منذ فقدانه أناس خيرين قد عرفت معظهم طوال حياتها، جلبوا لها الاكل والمستلزمات وقدموا لها التعازي، واشياء أخرى اعتادت عليها منهم فقط من باب الاحترام.
لقد كرهت هذة الشفقة قكل ما تريده هو أن يتركوها وشأنها، بعدما ذهب آخر اصدقاءها المخلصين إلى بيوتهم اغلقت الباب ودخلت إلى غرفة چيمي نظرت إليه بينما هو نائم ملاكا صغيرا سمينا واخذت تبكي حينها بالم وبغضب من شدة الاحباط " لقد وعدتني بألا تتركني وعدتني يا دان إلى اين ذهبت تركتني وحيدة وخرجت تتنزه اين أنت الآن "، لم تصدق فكرة أنه لم يعد موجود لكنها اقنعت نفسها بأنه نجح في إنقاذ نفسه وأنه أنجرف مع التيار إلى شاطئ اخر بعيدا او ركب سفينة فالبحر سيعود قريبا ويدق على الباب ويخبرها بأنه قد نسي المفتاح مرة ثانية وستسمح له بالدخول لأن الجو قارسا بالخارج وستضحك عليه قائلة بأن ينام بالخارج كالمعتاد عندما يعود متاخرا من البحر لأنه قد مرت ساعة اطفاء الآنوار بالبيت "فلماذا لم تأخذ المفتاح!؟" في خيالها قد جاء وحلس بجوارها وضحك معها ولمسها في خيالها أنه لم يقارقها وذهب هو فقط تاه في الطريق وسيعود على الفور، لكن عندما كانت تخلد للنوم وحدها على سرير كبير، البرد كان يحيط بها من كل الاتجاهات يتسلل إلى عظامها ويجعل روحها ترتجف، ومنظر وسادته البالية كما تركها اخر مرة تذكرها به ليس هنا وتلك الصورة على الطاولة التي تجمعهم مع چيمي الرضيع منذ عام ماذا كانوا وماذا أصبحوا فحينها تنهدت واحتضنت نفسها تبكي بهدوء لا توقظ الطفل محاولة ابتلاع تلك الكارثه التي حلت عليها. 
في صباح اليوم العاشر من فقدانه استيقظت على صريخ چيمي في الغرفة المجاورة كان هذا يوم السبت بعدما فرغ من الاكل واتساخ نفسه بالاكل طلب منها الذهاب للعب في الملاهي فكل يوم كانوا يذهبون للملاهي لماذا لا يكون اليوم ؟! نظرت اليه محاولة أن توضح له في جمل بسيطة أن اباه ليس موجودا ليأخذه وأن امه لم تعد قادره على تحريك الارجوحات الخاصة به لأنه يوجد في بطنها طفلا اخر، حاول أن يجادلها وهي حاولت أن ترضيه لكن كيف لها أن توضح لطفل يبلغ من العمر عامين ونصف أن اباه لم يعد موجود !؟
لقد نظر إليها بنظره كلها احباط وذهب للعب في غرفته.
على هيئة شخصيته الصغيرة تلك فهو يتجول في شهر مارس وخصلات شعره الصفراء تتطاير في الهواء، فتخللت عقلها صورة من ايام السبت التي كانوا يذهبون فيها إلى الملاهي. كان دانيال يرفعه فوق كتفه ويتراقص به في الشارع فخنقت حلقها الدموع مرة أخرى، "ها أنا كيف سأعيش !؟ فلست قادرة على مواجهه كل هذا !. "
ارتبكت ارجلها وبينما هي تفكر في السقوط تذكرت الطفلة التي بداخلها فكانت لها سببا لتحيي من جديد. 
لمست چين بطنها والتفتت للركلات الصغيرة للطفل بها وتوقف ارتباك ارجلها، فما زال هناك شيئا منه. 

3- ولادة :
وُلدت (أليس) في نهاية فصل الشتاء في صباح توقفت فيه العواصف عن الهبوب، استمرت الولاده 8 ساعات لكن چين لم تشعر بالألم، فكل ما كانت تفكر فيه كان دانيال، لقد عرفوا أنها ستكون بنت لكن كل ما تمناه أن تكون بينهما طفلة، فبينما كانت چين تستلقي على سرير المستشفي تذكرت الليالي التي كانوا فيها معا، فقد كان يغني للطفله التي في بطنها ويحكي لها قصص وخرافات وتذكرت كيف كان يضحك عليها عندما بدأت تتمايل من شدة الحمل في طرقات وغرف المنزل. 
فعند المخاض لم تجد رجلا يقف بجانبها فرجعت بخيالها إلى ولادة چيم وتذكرت ذلك الكلام الذي قاله دانيال في ذلك الوقت. 
حاولت أن تقول لنفسها هذا الكلام واخذت تستذكر تلك الدعابات التي قصها لها، لكن هذا كان مختلفا تماما، فمع كل ألم تشعر به تتذكر ذكرى أخرى مؤلمة اكثر، سالت الدموع من عينيها وهي لم تعرف اذا كانوا بسبب الالم ام من الفقدان.
حل الصباح عندما بدأت في الولادة والشمس التي اختفت طوال الشتاء اخترقت اشعتها نافذه الغرفة. چين مستلقيه على السرير هادئه وطاقتها قد استنفذت لكن عندما وضعوا بين يديها الطفلة نظرت في وجهها الصغير المدور ورأت فيها وجه دانيال، لقد داعبت بلطف ذلك الغطاء الذي على راسها عندما الصقت الطفلة فمها بثديها وبدأت في الرضاعه. 
بعينيها هاتان المغلقتان وخدودها الممتلئة بدت الطفلة كحلم وعرفت چين كيف تفسره. 
عندما مرت الاسابيع والايام لاحظت چين باستياء أن شعر أليس القليل على رأسها بدأ ينمو مع مرور الوقت ستكون شقراء مثل والدتها ولكن اين اختفي شعر دانيال الاسود ؟! لقد تسآلت بغضب، كما لو لم يكن لها ذكرى منه. 
لقد كانت أليس بالطبع، فقد عرفوا دائما أنه اذا جاءت بنت سيكون اسمها أليس، لم يكن هناك كتابا في العالم احبه دانيال بقدر حبه لكتاب لويس كارول، وفي خياله الطفله الصغيرة التي ستكون له، ستكون هي نفس الطفله الصغيرة الحالمة ( سابحة في عالم الخيال ) التي تحدثت مع الارانب وورق الكوتشينة ورقصت امام المرايات، لم تفكر چين للحظه أن تناديها باسم اخر، وحاولت أن تفعل ما كان يفعله دانيال، حاولت جاهده أن تضحك مع چيمي على طريقته الخاصة وأن تغني لأليس تلك الاغأني التي كأن يغنيها لقد حاولت بقدر الامكان أن تحافظ على حضوره في البيت وأن يتذكره چيمي ولو ليس بنفس القدر وأن لا تفتح الباب خوفا من أن تتسلل ذرة من روحه إلى الخارج. ولكن كالمعتاد فهي اشياء اكثر صعوبة مما تبدو، كذلك كان من الصعب عليها أن تتكيف على ذلك بدونه. فكل شيء صغير فعلته، كل تفكير كل فكرة كل شى كان يذكرها به فقد كان تفتقده خاصه في اللعب مع چيمي والعناية بأليس الرضيعة وتنظيم البيت، افتقدت تعليقاته على شعرها الطويل، دعاباته حذاءه الذي كان دائما ملقى في كل مكان في المنزل وحتى اصواته التي كان يسمعها لها عندما يستيقظ صباحا، فكل شيءهي تفتقده واكثر من ذلك فهي تفتقده في الليالي التي تجلس فيها بمفردها على السرير ولا يوجد من تتكلم معه وتشاركه الافكار.
لقد ذهب واختفى وكلما حاولت أن تتشبث به انفلت من اصابعها. 
اختفت رائحته من الملاءات والوسائد ولم يعد هناك ملابس مجعدة ملقاه على كراسي المنزل، لن يكون هناك من سينسي تنزيل مقعد الحمام. 
وكما يخطر ببالها فأليس ايضا لم تشبهه كما ظنت عندما ولدت بل تشبهها. 

4- اكتمال : 
وفي الليلة الاولي التي لم تنم فيها أليس بسبب نمو ضرسها، جلست معها چين على السرير وبكت عندما بكت ابنتها كان هذا لأسباب أخرى بالطبع، كان من اليسير عليها أن تنمو اسنانها وليس هذا الألم، فبعد اسبوعان اخذت تفكر في ليالي الحرمان من النوم تلك حتى لم تعرف اذا تبقت لها ذكريات تكتشفها من عقلها ام لا. 
فبعد شهر والثاني وبعدما حل الصيف دون أن تلاحظه واقتراب ذكرى موت دانيال، حدث لها شيئا ما فهي لم تستطع أن تشير إلى النقطة التي حدث هذا منها او المكان او التفكير الذي تغير لكن حدة الالم خفت 
شيء بها هدأ او اعتاد على ذلك او لم يعد التفكير في دانيال يتعبها، فقد جلست في تلك الليلة تهز أليس المعذبة وما اثار دهشتها فقد علت ابتسامة على شفتيها عندما تذكرت شيئا مشابها لهذا الموقف.

"دان، هل تستطيع أن تذهب وتحضره؟ فهو يبكي مرة أخرى، بالتأكيد اسنانه تلك مره أخرى……." 
" يبكي، اه حسنا، شخصا يقول له أنه ليس لطيفا ايقاظ الناس من نومهم في وسط الليل بهذا الشكل." 
" كم تكون الساعة ؟! " 
"أنظر چيمي ها هي الشمس بالخارج. ماذا سألت !؟ " 
" سألت…. ماهي الساعة الآن " 
" الخامسة ونصف،اظن ذلك " 
" هو جائع، اعطني اياه " 
" هل تريدين أن تتنزهي الآن !؟ " 
" ماذا !؟ دانيال، الآن الساعة الخامسة والنصف صباحا، لماذا سنرغب ف التنزة الآن !؟ " 
" بالنسبة لذلك فالمدينة مدينتنا. چيمي يريد أن يخرج وبالاضافة إلى ذلك الجو جميل بالخارج ! أنت تحبين وقت الشروق هيا بنا ليس باردا الآن " 
" أنت لست طبيعيا "
"نعم بالطبع، فبفضل ذلك احببتيني. هيا نخرج هذا سيهدأ من روعه " 
" حسنا "

تذكرت في تلك الخروجة كيف ساروا على شاطئ البحر وارجلهم حافيه ومشاهدة الشروق، والابتسامة العريضة التي ظهرت على وجهها إلى عدم مقدرتها على ايقافها، ورأت بنفسها كيف كان يتراقص دانيال مع چيمي الصغير على رمل الشاطئ مغنيا له اغاني الصيادين ويمسك بيديه ويتراقص معه، وتذكرت ايضا كيف رقصوا وايدي ثلاثتهم متشابكة ومحتضنين بعضهم البعض ويقفزون بسذاجة داخل الطين اللينة وفجأه انخرطت في الضحك، الصوره كانت حادة وواضحة في رأسها وذاكرتها اصبحت مسلية عندما اسندت رأسها على الوسائد وضحكت بصوت عالي، شيئا لم تفعله منذ شهور فضحكت حتى آلمتها بطنها وحتى بدأت عينيها تدمع وحتى لم يتبقي لها طاقة للضحك. 
ضحكت دقائق طويلة وسمحت لباقي الالم بالخروج منها في ظل تواجد الشخصيات العالقة في خيالها. 
طريق التخلص من الألم كانت قصيرة، فشمس بداية الخريف الصافيه والرياح الخفيفة التي تهب من البحر أنعشتها، وهي استطاعت أن تكمل حياتها التي بدا لها أنها أنتهت إلى الأبد فبفضل ضحكة دانيال الساحرة في الصورة التي على طاولتها استنفذت چين قوتها في تنظيم البيت وزراعة الزهور في الحديقة، شيء كانت تفعلة كل صيف. اخذت چيمي وأليس إلى الملاهي يوم السبت وفي وسط الاسبوع عندما يكون الجو لطيفا، ولعبت معهم هذه المره بدافع بهجتها وحبها الحقيقي للمرح ومن سعادتها النقية وايضا من ادراكها بأنها تملك كنزين يحظر عليها فقدانهما ايضا كما فقدت دانيال. وجدت الجيتار القديم الخاص بها وبدأت في تعلم نغمات موسيقية جديدة بعد عدم لمسها له منذ سنوات. واصلحت كل الاشياء التي تعطلت واشترت ملابس جديدة وخرجت للتنزه مع صديقاتها،لقد عادت لحياتها الطبيعية، لأنها تذكرت أن دانيال لم يحب رؤيتها حزينة وكان سيفضل رؤيتها ترقص بدلا من الجلوس والبكاء.  لقد عادت لسماع الموسيقي وسماع الاغاني التي احبها دون أن تبكي، عزمت على ري الزهور في الحديقة الصغيرة لأنه كان يذكرها بأن تفعل هذا كل مساءا، فذات مره ذهبت للبار الذين احبوا الذهاب له وظلت حتى وقت اغلاقه في الساعه الثانيه بعد منتصف الليل كما فعلوا سويا لكن هذه المره الاحساس مختلف بدونه. 
ذات مرة مساء في نهاية فصل الخريف قبل اكتمال عام من موت زوجها وحبيبها باسبوعا واحدا، جلست چين في غرفة النوم المقابلة لغرفة نومهما وقررت أن تكتب لة رسالة، هي تعرف بأن ما تفعله يعتبر شيئا احمقا ولا تعرف ايضا ماذا ستفعل بالرسالة بعد ذلك لكن هذا ما احبت أن تفعله، لقد كتبت له عن العام الماضي، حكت له عن أليس وچيمي الذين يكبرون في كل يوم وعن اشياء فعلتها وتفكيرها آنذاك وعن احلامها وخاصة كيف كانت تتشوق إليه، لقد كتبت سطورا طويلة بكلمات حب واشتياق كثيرة لكن هذا تغير الآن وكان فقط اشتياقا بدون اكتئاب والم ثقيل لا يمكن لها تحمله، فهي تفتقده وستفتقده دائما لكنها تعلمت أن تتأقلم على هذا بالرغم مما ظنته طوال حياتها وبالرغم مما قالوه لبعضهم في ليالي الحب، فهي كانت قادرة على العيش بدونه ايضا. 

5- تغيير: 
وقفت چين امام مرآة الحمام ونظرت إلى وجهها الطويل المعكوس امامها، كان ذلك في المساء، والاطفال ناموا بهدوء على سرائرهم، وهي فقط من لم تستطع النوم، فقد اخذت خصلة من شعرها للاشقر الطويل وفركتها باصابعها، فمن عامين قد مضوا منذ رحيل دانيال يبدو أن شعرها قل معدل نموه، ضحكت عندما تذكرت بأنه كان يقول لها بأن تقصه، لأن شعرها يضايقه عندما ينتشر...
"ينتشرعلى ماذا ؟! " كانت تسأله، 
" على كل شيء" كان يشير إلى الجرنال الذي بين يديه، او الكتاب او جهاز الكمبيوتر. 
" على كل هذا، صعبة أنت ياچين، أنت تشتتين انتباهي بشعرك الطويل الرائع هذا ! " 
" أُشتت انتباهك !؟ كيف ؟؟ " و بينما هي تفرد شعرها امامه وتصفعه به او تستخدم خصل الشعر لكي تداعبه بها. 
" نعم كذلك بالطبع " فهو ايضا كان يداعبها او يُقبلها وبعدها يحتضنون بعضهم البعض ويمارسون الحب حتى استنفاذ طاقتهم. 
وكذلك كانوا دائما عندما يستلقون محتضنين بعضهم البعض في ساعات ظلمه الليل فكان يداعب شعرها ويقول :" يجب أن تقصيه حقا " 
وهي كانت تضحك. 
تخلصت چين من ذاكرتها ونظرت بعينيها المؤرقتين. شيء ما خطر على بالها ، شيء جديد، وعام جديد على الابواب فقررت أن تتجرأ وتفعل ما لم تفعله من قبل، لقد تغيرت في هذين العامين واصبحت اكثر استقلالا ووعيا واتزانا،فهي ام الآن، سيدة كبيره تعرف أن تعتني بنفسها وباطفالها وتعرف ايضا المستقبل وتفعل ما تفعله وفقا له، فقلقت وفكرت وضحكت وخمنت وتعلمت مما حدث لها. 
ولأنها لم تعد طفله ولا شابه فلا يعد يناسبها هذا الشعر الطويل الغير طبيعيا، فهي سيدة الآن بالغة ومحسوبة فلذلك توجب عليها الطايع العقلي والتفكير الواقعي الاكثر اتزانا من الماضي.
ولذلك في اليوم التالي سارت بخطوة ثابتة إلى صالون الحلاقة الوحيد في " بريدچ تاون " واخبرت ( سوزي رولاند ) أن تقصر لها شعرها حتى مستوى اكتافها. 
عندما خرجت من هناك رأسها كانت اصغر حجما والاحساس كان مختلف وغريبه إلى حد ما، لكنها احست في داخلها أنها طائشة ومتحررة لكن بالنسبه لها ولعائلتها فهي شخصا جديدا. 

6- تأقلم : 
الوقت مر ببطء، ببطئ شديد والايام مرت من امام اعين چين واحدا تلو الاخر، تبدل الصيف بالشتاء ومن جديد يعود الصيف وعقارب الساعه تدور ببطئ، فدانيال كانت تفتقده حتى الألم خاصة في ساعات الليل المنطويه، لكنها تعلمت أن تعيش بدونه فكانت هذه المرة الاولى في حياتها لتعيش بمفردها. لقد عرفت دانيال طوال حياتها وقد كانوا طوال السنين معا إلى أن مات فلم تتخيل حتى كيف ستحيا بدونه، لم تعرف شيئا اخر لكن ها هي الآن فرضت عليها العزله وتعلمت أن تعيش وحدها. 
كبر الاطفال واصبح محتم عليها أن توضح لهم ما السبب من عدم وجود اب مثل الاطفال الأخرين، كان صعبا عليها أن تفهمهم حقا وخاصة لا يوجد قبر له تريه لهم لأنه لا توجد جثه، لكنهم اضطروا على التعايش مع الواقع كما هو. اعترفت چين مع نفسها أن تزوير الحقيقة صعب عليها. تمنت چين من اعماقها عشرات المرات اذا وجد له شيئا ماديا كثبر او نصب تذكاري شيئا يثبت لها أنه بالفعل قد رحل. 
فمع غياب ادلة موته اصبح الامر مجرد مسأله ايمان داخلي. 
لقد سألت نفسها كثيرا ماذا حدث في ذلك اليوم في العاصفة وتساءلت ايضا متي فهم أنه يكفي وعليه العودة فتصورت في خيالها صراعه مع القارب والعاصفة والرياح والامطار، لم تستطع أن توقف التساؤلات عنه، فماذا كان تفكيره الاخير عندما ادرك أنه ليس هناك احتمال للنجاة هل فكر بها وبچيم، لقد آلمتها هذه الافكار لأنها افتقدته فقدت الشيء الذي تتلهف له اكثر من اي شيء حصل له فلجأت لمحو هذا من عقلها وخيالها. 
مرت الاسابيع والشهور والسنوات ببطئ شديد وذات يوم قامت چين في الصباح وعرفت أنه بعد سبعة اسابيع ستحل الذكري السنوية السادسة لموته، فكيف مرت سته اعوام بدونه وكانهم كانوا بالأمس " واحسرتاة يا دان، ماذا لو كنت بجانبي اذا لم تخرج إلى البحر في ذلك اليوم، نصف دستة اعوام قد مرت منذ ذلك اليوم المشئوم " 
الفراغ بداخلها كان كبيرا وقتها. فالآناس حولها بدأوا يحدثونها أنه مر وقت كاف ويجب أن تفكر في المستقبل واولادها ونفسها وأن تجد شخصا ما جديد. فهي قد عرفت كيف يبدو لهم وضعها فهي شابة وسيدة تبلغ من العمر 31 عاما تعيش وحدها وتربي طفلين، لقد فهمت هذا القلق لكنها لم تكن قادرة ولا حتى الاولاد أن يخرجون مع رجال غرباء، ففكرة أن يكون لها شخصا اخر يعيش معها ويلمسها فكرة لا تطيق تحملها، دان كان الوحيد الذي عرفته، لقد كانوا معا طوال هذه السنوات حتى من فترة الثانوية العامة عندما كانت طفلة فتاة صغيرة تبلغ من العمر خمسة عشر عاما وهو يبلغ سبعة عشر عاما فمن وقتها تأكدوا أن هذا حبا حقيقيا. فهم لم ينفصلوا ابدا ولم يكن هناك مثلهم قط. فاذا شاء القدر أن تفتقده فستضطر أن تعيش وحدها إلى الابد، لن أنساك يا دان، فلا تزال هنا استطيع أن اشعر بك حولي، فأنت هنا معي وهنا ستظل. 
في الحقيقة، كما عرفت في ذلك اليوم الخريفي في الصباح سبعة اسابيع قبل الذكري السنوية السادسة لموته فالوحدة لم تكن سيئة كثيرا الا في اوقات الليل. 

7- صدمة : 
عندما خرجت چين في ذلك اليوم من البيت، لم تتطلع لشيء جديد تقعله فهو يوم عادي كالايام الأخرى وروتيني تفعل فيه ما تفعلة كل يوم.، لكن حدث لها شيئا غير متوقعا، فعندما خرجت في طريق عائدة من متجر البلدة العام مع ليسا صديقتها المقربة الاكبر منها سنا واحدة من الذين ساعدوها في مرور تلك الفترة الصعبة من العام الماضي. 
سارت چين بهدوء والحقائب في يديها وأنصتت باذن واحدة لثرثرة صديقتها، فعندما مرت شخصية مألوفة بالنسبة لها في الناحية الثانية من الشارع وشدت أنتباها فوجهت رأسها إليه لتحدق به وتجمدت في مكانها. شحب وجهها ارتبكت يداها وسقطت الحقائب من يديها وتبعثر محتواهم على الرصيف واستمرت عيناها في مراقبة تلك الشخصية من ناحية الطريق إلى أن اختفت وراء احد المبأني وبصعوبة ادركت أن ليسا تتحدث إليها. 
" چين، أنتي بخير !؟ " 
قتحت چين فمها لتتكلم لكنها لم تستطع ومن دون أن تفكر أنحنت وهي مرتبكة وبدأت تجمع الاشياء التي سقطت على الرصيف. 
" چين …. ماذا حدث !؟ أنحنت ليسا معها وساعدتها في ادخال تلك المستلزمات مرة أخرى إلى الحقائب. " يبدو أنك رأيتي شبحا !؟ " 
" رأيته بالفعل " 
عندما عادت چين إلى المنزل وبدأت في تفريغ المشتريات من الحقائب بدأت مرة أخرى في التفكير، قلبها سيطير من الجنون عقلها في صدمة ويداها لم تتوقف عن الاهتزاز. فبينما هي فالطريق عائدة لم تستطع أن تفكر في شيء نفذ عقلها من التفكير لكن عندما اغلقت الباب خلفها بدأت الافكار تنهمر في رأسها بسرعة مذهلة. 
هل رأت بالفعل ما رأت !؟ ربما هو !؟ وربما لا ؟ 
هل تعرف ماذا رأت !، يداها المرتبكة كانت تهتز بشدة،
هل كان هو. فهو كان …. كان اكثر نحافة وله ذقن عندمة رأته.
هي لم تراه ابدا بذقن، لكنه كان هو !. 
فربما بدأت الآن في الهذيان !؟ او اختلقت هذا من خيالها ولم تر فالحقيقة شيئا ؟! لكنه كان هو!، علبه الذره قد سقطت من يديها بسبب عقلها المشتت على ارجلها، موجات من الالم حلت بالمكان وضخت بداخلها دما هائجا. 
جلست چين على الارض وبدأت فالبكاء من دون أن تعرف سبب البكاء هل من الالم ام من القلق الذي تجدر بداخلها. لم تعرف بماذا تفكر، فهل تتهم عقلها بالهلاوس ام محاوله تبرير شيء غير منطقي، كل شيء اختلط في عقلها كعجينة واحدة فضربت رأسها هذا الذي يألمها بقوة كي تخرج هذه الوساوس من داخلها. ففي النهاية اشتعل غضبها وحاصر اليأس عقلها. جسدها مازال يرتعد. لقد رأيته رأيته لقد كان هو كنت اتعرف عليه في كل مكان لقد كان هو بالفعل ! ولكن كيف يكون هذا ؟ كيف من الممكن أن يكون هو كيف !؟ لكنها تعرف ماذا رأت وتعرف أن عيناها لا تخدعها فهي لم تعرف كيف يكون هذا لكنها اقسمت بأن هذه الشخصية التي كانت في نفس الشارع بعد الظهر كان هو زوجها الميت.

8-اضطراب :
لم تستطع الخروج للعمل في اليوم التالي، ارسلت الاطفال للمدرسة وبعد تلك المعضلة القصيرة بينها وبين نفسها اتصلت بالعمل واعلمتهم بأنها مريضة، فهي تبدو بالفعل مريضة، وجهها شاحب وعضلاتها ضعيفة وعيناها متورمة من فقدان النوم فأثناء الليل لم تستطع أن تنام، جلست فقط امام النافذة وحاولت أن تفسر لنفسها ماذا رأت بدون نجاح. 
اذا حدث هذا في العام الاول بعد رحيله او بعد عدة اشهر كانت ستبرره بأنها هلاوس بسبب الحزن فتزيل هذا القلق من داخلها، لكن الآن !!! بعد موته بسته اعوام لقد تجاوزت ذلك ورمت كل شيء خلفها والألم المنتشر داخلها لم يعد كشيء قادر أن يجعل لها وهم كهذا. 
فشيء اخر داخلها يقول أن القصة مختلفة تماما عما فكرت به في البداية. 
جوانب لا تعرفها واشياء لم تفكر بها وتفسيرات مختلفة تماما لكن ما تفكر به أنه لا يمكن فهو ميت !. 
مات دانيال منذ 6 اعوام غريقا في البحر الكبير مات حقا ولا يستطيع فجأة أن ينبعث للحياة من جديد حاولت اقناع نفسها ولم تستطع. 
مرة أخرى رأت تلك الشخصية الطويلة في نفس الشارع، عرفت أنه هو فمن يكون غيره !؟ 
جلست چين بجانب طاولة المطبخ في ساعه متأخرة مقتربة للصباح صامتة وبها العديد من الافكار والتساؤلات، فنجان الشاي الذي امامها اصبح باردا منذ فتره طويلة ومازال ممتلئ. فهي لم تكن قادرة على الشرب او الاكل ولا لاي شيء سوء العبور ذهابا وايابا على احداث يوم امس وتفسيراته المستبعدة التي خمنتها له. 
سمعت طرقة على الباب، فقفزت من مكانها نظرها أنتقل إلى باب الدخول وماطلت في قتحه، سمعت الطرقة مري أخرى فقامت من مكانها لأنها تعرف من هناك فهي تعرف هذه الطرقة تعرفها جيدا، سنوات طوال تمنت أن تسمع فيهم تلك الخبطة وهذا الصوت نذير الخير.
قامت وجاءت باتجاه الباب، لم تستطع أن تعرف من يقف في الجانب الاخر، ربما كل حزنها هذا عرفها هويته، تماطلت يداها وهي على مقبض الباب مرتبكة مترددة وماذا اذا لم يكن هو، الخبطة اطرقت مره أخرى ثالثة ففتحت الباب على مصراعية ببطيء. 
هناك يقف طويلا كما ذكرته أنحف من المعتاد وبذقن قصيرة تزين وجهه. دانيال زوجها. 
هلعت فجأه وتراجعت عدة خطوات للوراء وجهها شاحبا كالحائط الابيض الذي خلفها. وهو دخل إلى البيت مترددا فكل ما به مختلف وبعد لحظات من التردد اغلق الباب وراءه. 
وقفوا في وجه بعضهم صامتين فكل واحدا منهم يعتبر كصورة في مرأه تظهر تشحب وجه الاخر. يد الاثنين كانت مرتخيه كما لم يعرفوا ماذا يفعلون بهم وثقوا بتلك الهيئة دقائق طويلة، ينظر كلاهما في أنفسهم يتفحصون ملامح الوجة المعروفة والتغييرات وتقدمت چين للأمام ووقفت في وجهه كان الفرق بينهم خطوتين. قد كان قريبا جدا حتى استطاعت چين أن تشمه وأن تشعر برائحة نفسة على وجهها فاغلقت عيناها ووضعت يديها على وجهه حركتهم ببطئ تلمسه وتفحصه. 
نظر إليها دانيال عندما فعلت هكذا عيناها مغلقتان ووجهها متجعد وبتركيز كبير. فعلى وجهها استطاع أن يري ذلك التغيير الذي احدثه بها الزمن. استطاع أن يقرأ من ملامح وجهها هذا الحزن والألم ومواجهه السنوات التي مرت. 
لمسته چين وفحصت ملامح وجهه ما تغير وما تبقي لازالت تعرفه، تلمست يديها كامل وجهه أنفه وعينه وفمه وكل حزن بداخلها كان يريد أن يحس ملمس جلده المعروف لكي يشفي. لقد كان نفس الوجه والعين والحواجب الكثيفه ونفس الجبهه العريضه، وعلى خده وجدت ندبه لم تكن موجودة من قبل نحيفه ومسننه مثل شعرها. ملمس ذقنه الناعمة كان غريبا عليها. ربما كان هو. يديها تعرقت  عليه جيدا اكثر من اي جزء في جسدها والملمس كان نفس الملمس. 
ففي النهاية رفعت يديها من عليه وراقبت عينيها، الزمن الذي مر كان كثيرا والألم الذي تدفق بينهم كان سيلا كبيرا لدرجه أنهم لا يتسطيعوا أن يكونا كما كانوا في الماضي. لكنها رأت في عينيه ذلك الشوق والحب اللذان لم يتغيرا بمرور السنين والاشتياق لشيء قديم. فهو مازال دانيال زوجها نفسه دانيال الذي احبته وفقدته واشتاقت إليه كل هذا الزمن الطويل. 
بالنسبة لها فهي تغيرت كثيرا في السته اعوام الذين مروا عليها واستطاعت أن ترى على وجهه ايضا أنه عاش حزنا وألما. 
كان لديهم اشياءا كثيرة ليتكلموا عليها، يوجد الكثير ليوضحوه والكثير ليتعلموه من جديد، فالطريق لن تكون سهله لكي يعيدوه لحياتهم لكنه كان هناك والآن هذا يكفي. 
وضعت چين يديها على كتفه بلطف كالمتشبثه به ففهم دانيال هذه الحركة فسقطت اذرعهم متشبثين في حضن واحدا يكاد يعالج جروحهم المندمله، اغمضت چين عينيها وشعرت بذوبان الالم كان طريقهما طويلا لكنه قد عاد لها الآن وهذا كافيا. 

9- فجوات : 
لم يعرف دانيال كثيرا عما حدث يوم العاصفة، عرف فقط ما تذكره في اللحظات الاولي من سلسله الرعب قبل فقدان وعيه وماذا حكوا له في المستشفي التي فاق فيها. بعد ثلاث سنوات ونصف. 
وجدوه فاقد الوعي متسخ وتائه على شاطئ البحر يبعد عده اميالا عن بلدة بريدچ تاون، لم يجدوا طريقه للتعرف على هويته لأنه لم يكن معه بطاقات شخصيه او تفاصيل خاصه به ،فقد فقدهم بالبحر وجرفته الامواج بملابسه فقط. الاثنان اللذان وجدوه مستلقي على الشاطئ كانوا رجلين منعزلين وحيدين الذين رأوا فيه علامه ومعجزة وأن كان في السنوات الاولي لم يكن هناك اي معجزه سوي أنه ظل على قيد الحياة. 
الاصابة كانت بالغة في رأسه الذي اصطدم وعلى رئتيه اللتان أُصيبتا بشدة من تعرضهما لمياه البحر المالحة. لم يعتقدوا ابدا بأنه سيقوم مجددا لكن الآناس الاخيار الذين اعطوه رعايتهم لم يستسلموا لموته البطئ، لم يؤمنوا بذلك فهم رجال محافظين من الجيل القديم الذين يؤمنوا بأنه اذا حدث شيئا كهذا على عتبه بابك فيجب أن تنفق عليه مالك وأنفاسك حتى النهاية. 
وعندما فتح عينيه في النهاية بعد اكثر من ثلاث سنوات ونصف اتضح لهم أنهم كانوا على حق فهو ارسل لهم وهم أنفقوا ثروتهم ومالهم واعطوه كل ما يملكوا.
عملهم كان كثيرا من الناحية البدنية ومن الناحية النفسية. فاق دانيال في مكان غريبا عليه تماما مع حذف ثلاث سنوات ونصف من حياته. 
الشيء الوحيد الذي اراد فعله عندما قام هو العوده للمنزل إلى چين وچيمي، ففي عقله چيمي طفل صغير عمره عامين وهي على وشك أن تنجب. كذلك تركهم ولم يعرف شيئا عن الزمن الذي مر. لكن ايضا وضح له الاطباء والطاقم الظروف المؤسفة لرحيله. فمازال لا يستطيع أن يقوم من سريره ويجري إليهم ولا شيء اخر غير ذلك. عضلاته مازالت ضعيفة واطرافه لا تعمل وجسده ضمر من مدة الاستلقاء السلبي الطويلة قكان يحتاج اعادة تأهيل لكي يهيئوه لوضعه القادم. استمر العلاج اكثر من عامين بيما يقرب من 26 شهرا طوالا من ألم العلاج الطبيعي والنفسي على جسده ورأسه. 
في البدايه فكر دانيال أنه عندما ترجع إليه قوته سيكتب لچين رساله او يتصل بها ويوضح لها حقيقة الأمر، لكن الضربة نزلت فجأه عليه وبعد اسابيع معدوده قد فاق. بالنسبة لهم فهو مات حوإلى أربعه اعوام قد مروا وهم لا ينتظروه، فهم بالتأكيد دفنوه وفقدوه ورموه من ذاكرتهم بعيدا فعندما تذكر ذلك أنعدمت رغبته. فهو لم يعرف كيف سيكون قادرا على العودة عند معرفة أنه غير موجود في عالمهم، فچيم لن يتذكره، وهذه الطفله التي لا يعرفها حتى لا يعرف اسمها وچين … التي عندما تذكرها شعر بأن عالمه قد تحطم، لقد بكي عندما شعر بكمية الحزن الذي مرعليها وعندما ادرك بأنها اضطرت لمواجهه الحياة وحدها التي وعدها بأن يكون دائما بجانبها فيها. لقد فكر في حزنها وأنكسر قلبه لكن بعد ذلك تذكر بأنه قد مرت 4 اعوام وهي بالتأكيد تجاوزتها فقد فكر في أنه اذ كان مكانها لما تحمل كل هذا، فحقا ماذا الذي تجاوزته، ماذا اذا يوجد هناك شخصا اخر فمجرد التفكير في ذلك قد سحب نفسه من فمه، وغطي وجهه بيده من شدة الحزن عندما ادرك في النهاية كم ستكون صعبة عليه العودة لهم. اكثر صعوبة مما ظن. وكلما فكر في كل هذا يدرك أنه ليس قادرا على الكتابة او الاتصال بها.، سيضطر للأنتظار حتى يكون قادرا على العودة مجددا وإلى أن يتحرر ويستطع الوصول بنفسه. فكرة أنه حي ستهز كيانها وستقلب الاجواء على وجهها. ستصحي مشاعر قديمة وربما تدمر اشياءا موجودة بالفعل. وعندما بدا الأمر له مختلفا عرف بأنها ستحتاج له هناك، كدعم لها عندما تدرك بأنه هو بالفعل. لم يستطع بكل بساطة أن يرسل لها رسالة بكل ما حدث له وهما مفترقين عن بعض. فالأمر استلزم اهتماما اكثر احساسا بالاخر. ولذلك أنتظر اكثر من سنتين فكل لحظه تمر عليه وهو يري بأنها متأكدة أنه ميت يمزقه بالداخل، وعندما عاد جسده إليه في النهاية وتحرر من المستشفي فتوجه على الفور إلى مكان بيته فقد شكر الناس الذين ساعدوه في استعاده حياته وخرج بمفرده عائدا. استمرت الرحلة بالسيارة المستأجرة لمدة نصف يوم وعندما دخل البلدة وطنه قلق من ما يمكن أن يجده. بات في فندق بالبلدة المجاورة وفي الصباح اكمل طريقه إلى البيت. فبطريقة ما وجدت هناك وقد لاحظ تلك التغييرات الخارجية التي طرأت ورأي تلك الحديقة التي رعتها في مقدمة البيت والدراجتين الصغيرتين في الفناء، فتعذب قلبه واحس بأنه فقد سنوات من حياتهم وهم قد تغيروا. هي تغيرت ولم يعرف ماذا سيفعل وعندما طرق على الباب اهتز قلبه خوفا من رده فعلها عندما تراه. 
لكن عندما وقفت امامه وحدقت به، لمست وجهه بيديها كما احب، لقد رآها رآها كما كانت من قبل فعرف أنها رغم كل ذلك ظلت چين التي يعرفها. كان لهم الكثير من الاشياء ليتحدثون بها اوالكثير من الاسئله والتفاسير. تغييرات كثيرة يجب التأقلم عليها ولاحظ أنها قصت شعرها واعتذر لها عن ذلك بأنه لم يقصد حقيقه أن تقصد شعرها. لقد احب الشعر الطويل الهائش الذي ربته بكل فخر. حدثته عن الاطفال وحاولت أن تعرفهم له فقط بالكلام ، جعلته يري صور قديمة وكيف مرت عليهم السنوات وكيف كبروا. حزن قلبه من شدة الألم عندما رأي ما اضاعه. 
بعد مرور عدة ساعات، جلسوا امام بعضهم البعض على الارض وتغمرهم الذكريات والمشاعر التي ازالوها من وجودهم. بكي كلاهما على الحزن الذي تسبب لهما ورغم ذلك علموا بأنهم قد فازوا بفرصه أخرى واحتمال اخر لاحياء عائلتهم. 
فهم كانوا ممتنين بالشكر لكل هذا الا أنه توجد عواقب كثيرة في الطريق، ستكون هناك ضرورة لكي يفسروا للاطفال وجود اب لهم مرة أخرى شيئا اعتادوا أن يعيشوا بدونه. سيضطر ايضا لمواجهه اسئلة الجيران والاصدقاء الممتزجة بنظرات السخرية وعدم الثقة لكن الحاجز الأول قد كسر. 
"سيكون صعبا " قالت چين بهدوء، تعرف التوتر الذي أنتهي وجاذبية الجو المريح، " لكن هذا ممكن " نظرت إليه "اوعدني فقط بأنك لن تخرج إلى البحر مرة ثانية ". 
ضحك دانيال، فهذه چين التي يعرفها كانت هي بعد كل شيء.
" بشرطا واحدا " قال دانيال. " بألا تقصين شعرك مرة أخرى " 
بعدها أنخرطوا في ضحك لم يضحكوه سويا منذ سنوات طوال. 

10- تجديد : 
فوجئت چين كم كان سهلا لادخال دانيال في حياتهم مرة أخرى. ولما تتعجب بعدما قضت اياما وليالي كثيرة بالدموع تدعي بأن يعود لها. 
لكن بالطبع رد فعل الاطفال هي ما كانت تخشاه لكنه كان سهلا للغايه. 
فهم يحتاجون لأب فبالرغم من أنهم لم يعرفوه في البداية لكنهم احسوا بأن هذا هو والدهم فالجانبان يحتاجون لبعضهم البعض بنفس القدر. العلاقة بينهم اصبحت اقوي بسرعة، وبالرغم من ذلك كان لهم مشاكل من نوع اخر على سبيل المثال فقدان ثقة الجيران المستائين وكلمات السخرية التي يتعرض لها الأطفال في المدرسة، بعد مرور عدة اشهر قرروا الرحيل، ارادوا أن يعيشوا حياتهم كعائلة، واذا كان هذا مستحيلا في البيئة التي حولهم سيجعلوه ممكنا بتبديلها. توجهوا داخل البلاد بعيدا عن البحر وكل ما عرفوه واستقروا لخوض تجربة حياة جديدة. لقد حققوا حبما قديما مشتركا وأقاموا مزرعة احصنة، يساعدون بعضهم كقوة واحدة في بناء واقامة حياتهم الجديدة. 
دانيال وچين اكتشفوا في نهاية الأمر أنهم لم يتغيروا مع كل هذا كما ظنوا في داخلهم.مازالوا ذلك الشاب والفتاة الذين احبا بعضهما من ايام الثانوية العامة وعرفوا من وقتها أن هذا حبا حقيقيا. وقد صدقوا في ذلك. فبعدما حلق دانيال ذقنه رجع ذلك الشخص الذي عرفته. وفي عينيه لم تري چين اجمل منهم قط. لقد احترقوا شوقا لبعضهم، لمسوا بعضهم مرة أخرى ليحسوا بتلك المشاعر القديمة، فالمرة الاولي التي مارسوا فيها الحب منذ الآنفصال الذي فرض عليهم بعدما عاد باربعة اشهر، كان ذلك رائعا بعد سنوات من الغياب. نادت كل روح للأخرى وألم تلك السنوات التي مرت عليهم بالفراق تلاشى داخل الحب الجديد فكل ما يريدوه هو أن يلمسون بعضهم ويتمسكون بأنفسهم جيدا. 
لقد بنوا بيتهم في مساحات مفتوحة وبنوا احلامهم وربوا اطفالهم كما ارادوا بالضبط وحققوا احلاما قديمة كانت ساكنة في مكان راحتهم. 

 وُلدت طفلتهم الثالثة في الصيف بعد عامين من عودة دانيال إليهم، وبعد حوإلى 8 سنوات من العاصفة التي قلبت كيانهم. وُلدت في الصباح وغدت تزحف إلى دفئ شمس النهار الصافيه عندما تنام چين متعبة وسعيدة على السرير لكن الكارثة هنا تكمن في معرقة أن كل شيء اكتمل فزوجها الحبيب كان بجانبها فالواقع كما حلموا به منذ بداية شبابهم. والطفلان الكبار چيمي وليسا تجمعوا حول الرضيعة لينظروا إليها "بايث"، كما نادوها بهذا الاسم نائمة اذرعها مفرودة تأخذ قيلولة في هدوء، عيناها الدقيقتان مغلقتان وچيمي وأليس تعجبوا منها فسألوا هل مسموح لهم بلمسها. الكثير يتسابق على اخذها اولا. 

ارسلت چين ابتسامة لزوجها المحبوب، وهو قد رد عليها بقبلة في الهواء من فوق رأس الأطفال وفي نظرة واحدة تأكدوا بأنهم قد نجحوا، فهذه الطريق الصعبة قد عبروها، ونجحوا في توحيد اسرتهم الصغيرة منذ زمن، والآن قادرين على تقضية بقية حياتهم بكل ثقة وحب. 


للإطلاع على النص العبري من هنا

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus

الابتسامات

0102030405060708091011121314151617181920212223242526272829303132333435363738394041424344

design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة أقلام بلا هوية 2014 - 2015