البخيل المقدّس/يوسيلا (من القصص اليهودي)
كتب: د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية - كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر
يسأل أحد القراء الأفاضل: أليس في اليهودية مناقب ومكارم أخلاق؟
قلت : كلا بل هناك ما يعدّ نماذج رائعة للصلات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية بل وفي أحكام وقوانين أيضًا وسأحاول إلقاء الضوء على بعضها لعل فيه ما يخفف من وطأة الشرّ التي تلازم سيرة هؤلاء القوم.
*************
قبل حوالي 300 سنة, كان جميع اليهود, في قرية تسمى (كركوف), فقراء معدمون, كانت حياتهم مرّة لا تخلو لحظة من ضيق العيش, ورزايا الدهر! لم يكن بالقرية غير يهودي واحد غني وذا مال كثير, لكن لم يكن في الدنيا منذ خلق الله الأرض ومن عليها أبخل منه! فلم يكن يمنح أي يهودي حتى فروطا (عملة كالمليم) واحدة, لقد كان قاسي القلب, شحيح النفس . . كان الله يبسط له الرزق بسطًا أما هو فكان لا يعرف غير أن يأخذ فقط ولا يعطي أحدًا!
ومثل هذا إذا دخل المعبد مَن يُلقي عليه تحية السبت "سبت مبارك"؟
ومن يهنئه في مَقدِم العام الجديد بـ "عام مبارك؟
كان إنسانًا مكروهًا أبنا جلدته؛ اليهود, معزولا عنهم, حين يسير في الطرقات تقذفه الأطفال بالحجارة, ويبصق عليه الناس. أي عار ليهودي مثله يعيش في حي اليهود الفقراء!
وماذا يمكن فعله . . تجاهه؟
سمع الموكلون بدفن الموتى ذات مرّة أنه مريض جدًا وعلى وشك الموت.
جاءوا لزيارته, وقالوا له: أنت لن تأخذ هذا المال معك, أليس كذلك؟ وعليك ان تترك شيئًا لفقراء اليهود, للأرامل والأيتام, والمحتاجين, اعطنا صدقة! فأنت لم تعط قط شيئًا لفقراء القرية, اعطنا 1000 درهم لنقوم بدفنك, وللفقراء.
قال اليهودي الغني البخيل: لا يمكن أن أسمح لنفسي بإعطائكم أكثر من 50 درهمًا فقط!
قالوا له: إذا لم تعطنا ما نريد فلن نقوم بدفنك! . .
لم يحرك ساكنًا . .
وقال لهم : طيلة حياتي وأنا أصنع أموري بنفسي, وكذلك سأتولى دفن جسدي أيضًا !!
لم يجدوا ما يعلقون به على هذا الردّ العجيب . . إنسان تفصله ساعات معدودات عن الموت ويكون من البخل على هذه الدرجة !!
كان الزوار على وشك مغادرة البخيل في لحظات حياته الأخيرة, ولا حظوا أن ساعته تقترب لأنه بالكاد استطاع ان ينطق كلماته الأخيرة (اسمع يا إسرائيل, إلهنا واحد), وهى وصية اللحظات الأخيرة قبل الموت في اليهودية!
كان يفكر في الخمسين درهمًا . . ولم يرد منحها حتى لقبره . . .
أخبروه في هذا الوقت أنهم لن يقوموا بدفنه !
مات البخيل!, وأوفى الموكلون بدفن الموتى بالوعيد – لن ندفنه! وانصرفوا . .
ظل ممددًا على سريره في يوم الأحد, ولم يدفنه أحد, وفي يوم الاثنين لم يدفنه أحد أيضًا, وفي يوم الثلاثاء لم يدفنه أحد أيضًا!! وفي يوم الأربعاء ,
قال أحد جيرانه – محدثًا نفسه – هل يبقى كما يقول التلمود: ممددًا إلى أن يأتي إلياهو"؟ (نبي يُجري معجزات لليهود), لابد أن يدفنه أحد, فله زوجة وأولاد.
قام جاره في جوف الليل, دون أن يراه أحد او يشعر به, وحمل جسده بنفسه ووضعه على عربة وبجهد جهيد سحب العربة بهدوء وحذر إلى المقابر ودفنه في موقع ما!
لا تظنوا أن حكاية البخيل انتهت عند ذلك ؟ لا بل هذه هى مجرد البداية.
****
لفِظَ البخيلُ أنفاسَه الأخيرة وهو يردد شهادة التوحيد في اليهودية؛ شِمَع يِسْرَائيل, إلوْهِينو إحَاد! (اسمع يا إسرائيل, إلهنا واحد). ونفذ مندوبو شركة الدفن وعيدهم له؛ إذا لم يدفع لهم 1000 روبلا, للدفن وكصدقة, فلن يقوموا بدفنه, وبالفعل تركوه جسدًا مسجَّى وانصرفوا!
مرّت ثلاثة أيام دون أن يدفن جسد يوسيلا أحد, وفي اليوم الرابع حدّث أحد جيرانه نفسه: هل يبقى جسد البخيل هكذا, دون دفن؟ وننتظر معجزة إلياهو النّبي؟ كما هو مدوّن في التلمود؟ كيف ذلك وله زوجة وأولاد!
قرر الجار أن يدفن يوسيلا, فحمل جسده بمشقة وسجَّاه على عربة وسحبها في جوف الليل دون أن يشعر به أحد, حتى وصل إلى المقابر, انزل الجسد في هدوء ودفنه في موقع ما وثبّت على شاهد قبره عبارة "هنا دُفن يوسيلا البخيل".
كان الناس يقصدون بيته طالبين الصدقات لعلمهم أنه الغني الوحيد بالقرية القادر على التصدّق والعطاء, على الأقل جرّب كل يهودي مرّة فعل ذلك, من بينهم أبراهام, حامل الماء, الذي ذهب إليه ذات مرّة وطرق بابه فاستقبله استقبالا طيبًا وقدّم له واجبات الضيافة.
سأله يوسيلا: كيف حالك؟
أجاب أبراهام : بما يفهم منه شظف العيش.
كم لديك من الأبناء ؟
أجاب أبراهام : اثني عشر! واستعطفه لكي يحصل منه على صدقة تعينه على تربيتهم. لكن دون جدوى, وصاح يوسيلا في وجهه : اخرج من هنا! وطرده من بيته شر طردة.
حاول كثيرون ان يحصلوا على صدقة من يوسيلا لكن محاولاتهم راحت أدراج الرياح, منهم أبراهام, حامل الماء, وأهارون الحطّاب, وهيرش الاسكافي, وموي الكنَّاس.
وكلهم لم يحظوا بأقل شيء من يوسيلا كصدقة تعينهم على صروف الدهر.
لكنهم جميعًا كانوا يجدون في كل يوم خميس مظروفًا يُدفع من أسفل الأبواب المتهالكة, به عشر روبلات ومدوّن عليه من الخارج عبارة "منحة السبت", ومعروف ان يوم السبت مقدّس في اليهودية ويستوجب القيام بطقوس معينة تعدّ من وصايا اليهودية الرئيسية (وحتى من يخالفها يستوجب القتل!).
وكانوا يتساءلون: أي صدِّيق تقي من يفعل ذلك؟ كل أسبوع؟
وادركوا بعد موت يوسيلا أنه هو من كان يفعل ذلك, واندهشوا كيف لم يتبادر إلى أذهانهم قط أن يوسيلا هو من قام ببذل "منحة السبت" لمدة تربوا على عشرين عامًا!
واخذوا يلومون انفسهم كيف لم يشعروا بما كان يقوم به البخيل!؟
ندموا على كل ما قاموا به من إساءة في حقه؛ لم يعاملوه بالحسنى, وكانوا يسلّطون عليه أبناءهم لقذفه بالحجارة والبصق عليه إن هم صادفوه في الطرقات, وحتى لم يدفنوه بعد الممات!.
صاموا من أجل أن يصفح عن أفعالهم المشينة تجاه يوسيلا, ورفعوا صرخاتهم للسماء لكي يعفو عنهم الرب.
قال أبراهام محدثًا نفسه: ظللت عشرين عامًا أتمتع بصدقاتك, وإعاناتك لي على تربية الأبناء وانا آمرهم بقذفك بالحجارة في الطريق!
كل يهود القرية ندموا على أفعالهم السيئة في حق يوسيلا, حتى حاخام القرية فتح تابوت القدس (خزانة كتب التوراة في المعبد), وادخل رأسه فيه وأخذ يتضرع إلى الله – باسم الطائفة - ويطلب منه العفو والصفح على آثامهم التي اقترفوها في حق يوسيلا. وطلب من يوسيلا ان يظهر علامة لصفحه وغفرانه عن اعمالهم السيئة خلال عشرين عامًا!
وفي حلم لحاخام الطائفة رأى يوسيلا يتنعّم في (جنّة عدن), مع الصدِّيقين, إلى جوار أبراهام, وسارة, وإسحاق ورفقة, ويعقوب, ويوسف الصدِّيق, وليس لديه رغبة في أي شيء فكل شيء هناك, غير شيء واحد فقط, وهو ما يحزنه؛ ليس هناك أظرف تدفع من أسفل الأبواب, ولا أبواب متهالكة, ولا قلوب مكسورة!
سأل الحاخام يوسيلا : وكيف كان شعورك وأنت تُدفن بمفردك؟
أجاب يوسيلا : بمفردي! العالم هنا (في جنّة عدن) ليس فيه كذب, بل هو عالم الحقيقة المطلقة, ولم أكن بمفردي, جاءوا جميعهم, ابراهام, وسارة, وإسحاق, ورفقة, ويعقوب, ويوسف الصدِّيق, وسيدنا موسى.
وأردف يوسيلا قائلا : هل تعرف من الذي اصطحبني إلى جنّة عدن؟
وأجاب على نفسه : إنه النّبي إليااااااهو.
وكانت هذه هى قصة "يوسيلا البخيل المقدّس" التي تقدّم دروسًا في التربية الاجتماعية والأخلاق والدين بل والفلسفة, في التراث اليهودي. يمكن بسهولة إدراكها حتى من عنوانها : البخيل . . المقدَّس !!
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وبقطع النظر عن كونها قصة حقيقية أم رمزية, فإنها ترسِّخ لمفهوم عمل الخير في الخفاء, أو في السرّ, مهما كانت الظروف فـ البخيل هنا هو في نظر الناس الذين لا يعرفون حقيقة ما يقوم به سرًا, فهو بخيل, إلى أن تأتي لحظة اكتشاف السرّ ومعرفة حقيقة البخيل حين يدركون أنه كان يفعل الخيرات في السرّ ولم يشأ أن يطلع أحدًا على سرّه وهو على يقين أن الله لن يضيع صنيعه الطيب, وهنا يتحول البخيل من شخصية مكروهة تُقذف بالحجارة ويُبضق في وجهه إلى صدِّيق مقدّس !! ليس هذا وحسب بل كل شخص يفعل الخير بعد ذلك فهو بعث لشخصية (البخيل المقدس), وتناسخ لها عبر الأجيال, وحثّ على فعل الخير سواء أكان في العلن أم في السرّ . .
قلت : كلا بل هناك ما يعدّ نماذج رائعة للصلات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية بل وفي أحكام وقوانين أيضًا وسأحاول إلقاء الضوء على بعضها لعل فيه ما يخفف من وطأة الشرّ التي تلازم سيرة هؤلاء القوم.
*************
قبل حوالي 300 سنة, كان جميع اليهود, في قرية تسمى (كركوف), فقراء معدمون, كانت حياتهم مرّة لا تخلو لحظة من ضيق العيش, ورزايا الدهر! لم يكن بالقرية غير يهودي واحد غني وذا مال كثير, لكن لم يكن في الدنيا منذ خلق الله الأرض ومن عليها أبخل منه! فلم يكن يمنح أي يهودي حتى فروطا (عملة كالمليم) واحدة, لقد كان قاسي القلب, شحيح النفس . . كان الله يبسط له الرزق بسطًا أما هو فكان لا يعرف غير أن يأخذ فقط ولا يعطي أحدًا!
ومثل هذا إذا دخل المعبد مَن يُلقي عليه تحية السبت "سبت مبارك"؟
ومن يهنئه في مَقدِم العام الجديد بـ "عام مبارك؟
كان إنسانًا مكروهًا أبنا جلدته؛ اليهود, معزولا عنهم, حين يسير في الطرقات تقذفه الأطفال بالحجارة, ويبصق عليه الناس. أي عار ليهودي مثله يعيش في حي اليهود الفقراء!
وماذا يمكن فعله . . تجاهه؟
سمع الموكلون بدفن الموتى ذات مرّة أنه مريض جدًا وعلى وشك الموت.
جاءوا لزيارته, وقالوا له: أنت لن تأخذ هذا المال معك, أليس كذلك؟ وعليك ان تترك شيئًا لفقراء اليهود, للأرامل والأيتام, والمحتاجين, اعطنا صدقة! فأنت لم تعط قط شيئًا لفقراء القرية, اعطنا 1000 درهم لنقوم بدفنك, وللفقراء.
قال اليهودي الغني البخيل: لا يمكن أن أسمح لنفسي بإعطائكم أكثر من 50 درهمًا فقط!
قالوا له: إذا لم تعطنا ما نريد فلن نقوم بدفنك! . .
لم يحرك ساكنًا . .
وقال لهم : طيلة حياتي وأنا أصنع أموري بنفسي, وكذلك سأتولى دفن جسدي أيضًا !!
لم يجدوا ما يعلقون به على هذا الردّ العجيب . . إنسان تفصله ساعات معدودات عن الموت ويكون من البخل على هذه الدرجة !!
كان الزوار على وشك مغادرة البخيل في لحظات حياته الأخيرة, ولا حظوا أن ساعته تقترب لأنه بالكاد استطاع ان ينطق كلماته الأخيرة (اسمع يا إسرائيل, إلهنا واحد), وهى وصية اللحظات الأخيرة قبل الموت في اليهودية!
كان يفكر في الخمسين درهمًا . . ولم يرد منحها حتى لقبره . . .
أخبروه في هذا الوقت أنهم لن يقوموا بدفنه !
مات البخيل!, وأوفى الموكلون بدفن الموتى بالوعيد – لن ندفنه! وانصرفوا . .
ظل ممددًا على سريره في يوم الأحد, ولم يدفنه أحد, وفي يوم الاثنين لم يدفنه أحد أيضًا, وفي يوم الثلاثاء لم يدفنه أحد أيضًا!! وفي يوم الأربعاء ,
قال أحد جيرانه – محدثًا نفسه – هل يبقى كما يقول التلمود: ممددًا إلى أن يأتي إلياهو"؟ (نبي يُجري معجزات لليهود), لابد أن يدفنه أحد, فله زوجة وأولاد.
قام جاره في جوف الليل, دون أن يراه أحد او يشعر به, وحمل جسده بنفسه ووضعه على عربة وبجهد جهيد سحب العربة بهدوء وحذر إلى المقابر ودفنه في موقع ما!
لا تظنوا أن حكاية البخيل انتهت عند ذلك ؟ لا بل هذه هى مجرد البداية.
****
لفِظَ البخيلُ أنفاسَه الأخيرة وهو يردد شهادة التوحيد في اليهودية؛ شِمَع يِسْرَائيل, إلوْهِينو إحَاد! (اسمع يا إسرائيل, إلهنا واحد). ونفذ مندوبو شركة الدفن وعيدهم له؛ إذا لم يدفع لهم 1000 روبلا, للدفن وكصدقة, فلن يقوموا بدفنه, وبالفعل تركوه جسدًا مسجَّى وانصرفوا!
مرّت ثلاثة أيام دون أن يدفن جسد يوسيلا أحد, وفي اليوم الرابع حدّث أحد جيرانه نفسه: هل يبقى جسد البخيل هكذا, دون دفن؟ وننتظر معجزة إلياهو النّبي؟ كما هو مدوّن في التلمود؟ كيف ذلك وله زوجة وأولاد!
قرر الجار أن يدفن يوسيلا, فحمل جسده بمشقة وسجَّاه على عربة وسحبها في جوف الليل دون أن يشعر به أحد, حتى وصل إلى المقابر, انزل الجسد في هدوء ودفنه في موقع ما وثبّت على شاهد قبره عبارة "هنا دُفن يوسيلا البخيل".
كان الناس يقصدون بيته طالبين الصدقات لعلمهم أنه الغني الوحيد بالقرية القادر على التصدّق والعطاء, على الأقل جرّب كل يهودي مرّة فعل ذلك, من بينهم أبراهام, حامل الماء, الذي ذهب إليه ذات مرّة وطرق بابه فاستقبله استقبالا طيبًا وقدّم له واجبات الضيافة.
سأله يوسيلا: كيف حالك؟
أجاب أبراهام : بما يفهم منه شظف العيش.
كم لديك من الأبناء ؟
أجاب أبراهام : اثني عشر! واستعطفه لكي يحصل منه على صدقة تعينه على تربيتهم. لكن دون جدوى, وصاح يوسيلا في وجهه : اخرج من هنا! وطرده من بيته شر طردة.
حاول كثيرون ان يحصلوا على صدقة من يوسيلا لكن محاولاتهم راحت أدراج الرياح, منهم أبراهام, حامل الماء, وأهارون الحطّاب, وهيرش الاسكافي, وموي الكنَّاس.
وكلهم لم يحظوا بأقل شيء من يوسيلا كصدقة تعينهم على صروف الدهر.
لكنهم جميعًا كانوا يجدون في كل يوم خميس مظروفًا يُدفع من أسفل الأبواب المتهالكة, به عشر روبلات ومدوّن عليه من الخارج عبارة "منحة السبت", ومعروف ان يوم السبت مقدّس في اليهودية ويستوجب القيام بطقوس معينة تعدّ من وصايا اليهودية الرئيسية (وحتى من يخالفها يستوجب القتل!).
وكانوا يتساءلون: أي صدِّيق تقي من يفعل ذلك؟ كل أسبوع؟
وادركوا بعد موت يوسيلا أنه هو من كان يفعل ذلك, واندهشوا كيف لم يتبادر إلى أذهانهم قط أن يوسيلا هو من قام ببذل "منحة السبت" لمدة تربوا على عشرين عامًا!
واخذوا يلومون انفسهم كيف لم يشعروا بما كان يقوم به البخيل!؟
ندموا على كل ما قاموا به من إساءة في حقه؛ لم يعاملوه بالحسنى, وكانوا يسلّطون عليه أبناءهم لقذفه بالحجارة والبصق عليه إن هم صادفوه في الطرقات, وحتى لم يدفنوه بعد الممات!.
صاموا من أجل أن يصفح عن أفعالهم المشينة تجاه يوسيلا, ورفعوا صرخاتهم للسماء لكي يعفو عنهم الرب.
قال أبراهام محدثًا نفسه: ظللت عشرين عامًا أتمتع بصدقاتك, وإعاناتك لي على تربية الأبناء وانا آمرهم بقذفك بالحجارة في الطريق!
كل يهود القرية ندموا على أفعالهم السيئة في حق يوسيلا, حتى حاخام القرية فتح تابوت القدس (خزانة كتب التوراة في المعبد), وادخل رأسه فيه وأخذ يتضرع إلى الله – باسم الطائفة - ويطلب منه العفو والصفح على آثامهم التي اقترفوها في حق يوسيلا. وطلب من يوسيلا ان يظهر علامة لصفحه وغفرانه عن اعمالهم السيئة خلال عشرين عامًا!
وفي حلم لحاخام الطائفة رأى يوسيلا يتنعّم في (جنّة عدن), مع الصدِّيقين, إلى جوار أبراهام, وسارة, وإسحاق ورفقة, ويعقوب, ويوسف الصدِّيق, وليس لديه رغبة في أي شيء فكل شيء هناك, غير شيء واحد فقط, وهو ما يحزنه؛ ليس هناك أظرف تدفع من أسفل الأبواب, ولا أبواب متهالكة, ولا قلوب مكسورة!
سأل الحاخام يوسيلا : وكيف كان شعورك وأنت تُدفن بمفردك؟
أجاب يوسيلا : بمفردي! العالم هنا (في جنّة عدن) ليس فيه كذب, بل هو عالم الحقيقة المطلقة, ولم أكن بمفردي, جاءوا جميعهم, ابراهام, وسارة, وإسحاق, ورفقة, ويعقوب, ويوسف الصدِّيق, وسيدنا موسى.
وأردف يوسيلا قائلا : هل تعرف من الذي اصطحبني إلى جنّة عدن؟
وأجاب على نفسه : إنه النّبي إليااااااهو.
وكانت هذه هى قصة "يوسيلا البخيل المقدّس" التي تقدّم دروسًا في التربية الاجتماعية والأخلاق والدين بل والفلسفة, في التراث اليهودي. يمكن بسهولة إدراكها حتى من عنوانها : البخيل . . المقدَّس !!
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وبقطع النظر عن كونها قصة حقيقية أم رمزية, فإنها ترسِّخ لمفهوم عمل الخير في الخفاء, أو في السرّ, مهما كانت الظروف فـ البخيل هنا هو في نظر الناس الذين لا يعرفون حقيقة ما يقوم به سرًا, فهو بخيل, إلى أن تأتي لحظة اكتشاف السرّ ومعرفة حقيقة البخيل حين يدركون أنه كان يفعل الخيرات في السرّ ولم يشأ أن يطلع أحدًا على سرّه وهو على يقين أن الله لن يضيع صنيعه الطيب, وهنا يتحول البخيل من شخصية مكروهة تُقذف بالحجارة ويُبضق في وجهه إلى صدِّيق مقدّس !! ليس هذا وحسب بل كل شخص يفعل الخير بعد ذلك فهو بعث لشخصية (البخيل المقدس), وتناسخ لها عبر الأجيال, وحثّ على فعل الخير سواء أكان في العلن أم في السرّ . .
اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات