»نشرت فى : الخميس، 14 نوفمبر 2019»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

أدب الأطفال العبري قبل عام 1973م - الصورة السلبية للعربي في قصص الأطفال العبرية


إعداد: محمد كامل إعلي - مذيع بالبرنامج العبري بالإذاعة المصرية وباحث في أدب الأطفال العبري

يحتلُ أدبُ الأطفالِ مكانة بارزة في منظومة التنشئةِ الاجتماعيةِ في أي دولة من دول العالم، ذلك أن ما يحفلُ به هذا الأدبُ من قيم ومبادئ وأفكار تتسرب إلى وجدان الأطفال فتسهم في تشكيل شخصياتهم ورؤاهم ومعتقداتهم وَفق ما يتطلبه هذا الأدب من غايات، وما يرمي إلى غرسه من معتقدات يُراد نَشْرُها وتحويلُها إلى مرتكزات في حياة هذا النشء. ويُقصدُ بأدب الطفلِ "أنه مجموعةُ من الآثارِ الفنيِةِ التي تصور أفكاراً وأحاسيس وأخيلة تتفقُ مع مدارك الأطفال، وتكُونُ في شكلِ قصة ومسرحية ومقال وأغنية"[1]. والطفل كالعجينةِ اللينة التي يسهلُ عليك تشكيلها بأي طريقة تريدها، وهو أيضاً كالصفحة البيضاء التي تنقش عليها ما تريد.
لكن الحديث عن أدب الأطفال في إسرائيل يختلف تماماً عن أدب الأطفال العالمي، لأنه أدب مجند وموجه الهدف منه ليس تعريف الأطفال بالبيئة المحيطة بهم أو بالفراشة التي تحلق في الحدائق الغناء من حولهم أو بالأشجار والثمار مختلفة الألوان، إنما هو أدب يغرس في أذهان الأطفال في إسرائيل موضوعات أخرى منها  جعل الأطفال يشعرون دوماً أن هناك عدو يتربص بهم ويحيك المؤمرات من حولهم، إنهم العرب ذلك الكابوس الذي يطارهم في منامهم ويقظيتهم.
وقد ألف أدباء الأطفال في إسرائيل الكثير من القصص التي تتناول الشخصية العربية سواء بالسلب أو بالإيجاب، منها على سبيل المثال سلسلة قصص "דנידין- دانيدين" للأديب الإسرائيلي "أفنير كرملي" وتتكون من 30 قصة، وهي تحكي أن طفلاً صغيراً لا يراه أحد يقتحم المواقع العسكرية العربية، ويسطير عليها ويُرغم قادتها على الاستسلام والانصياع لأوامره. وهذه السلسلة الأدبية حظيت بشغف وحب الكثير من الأطفال ولازالت لأنها تقدم الطفل الإسرائيلي على أنه بطل خارق القوة، وشديد الذكاء، ففي إحدى القصص التي عنوانها "דנידין במלחמת ששת הימים- دانيدين في حرب عام 1967"، يدعي الكاتب الإسرائيلي "كرملي" أن الطفل دانيدين استطاع بمفرده أن يسيطر على موقع ترابض فيها القوات المصرية، وأن يجعلها تستسلم، وأن ترفع الرايات البيضاء". وفي قصة أخرى من هذه السلسة تسمي "דנידין מפליג בים -دانيدين يبحر في البحر" يزعم الكاتب أن هذا الطفل استطاع أن يسيطر على سفينة حربية مصرية، وأن يجعل قائدها وجنوده يلقون بأنفسهم في البحر خوفاً منه، لأنه ظهر لهم في صورة عفريت الأمر الذي أصابهم بالخوف والرعب". وهذه القصص التي تقدم للأطفال في إسرائيل تبعث برسالة مفادها أن الطفل الإسرائيلي خارق الذكاء وأن العرب أغبياء لا يستطيعون التصرف ومواجهة هذا الطفل. وهناك سلسلة "הימאים- البحارة" لنفس الأديب الإسرائيلي "أفنير كرملي"، تلك السلسلة التي تتطرقت للشخصية العربية بشكل مباشر، فقد ورد في إحدى قصصها وهي قصة "הימאים במבצע מחץ- البحارة في عملية صاعقة" ما يلي أن "العرب انقضوا على التجمعات اليهودي من كل مكان وهم يصيحون اذبحوا اليهود اقتلوا اليهود"، و"أفنير كرملي" له مؤلفات كثيرة تتسم بالعداء والعنصرية ضد العرب، الأمر الي جعل بعض النقاد في إسرائيل يرفضون الكثير من أعماله ويصفونها بالعنصرية استناداً إلى أن الطفل في هذه المرحلة يحتاج إلى من يحدثه عن الطبيعة والأزهار والألوان والطيور والحيوانات وليس عن الدبابة والصاروخ والقتل بدم بارد.
وهناك سلسلة أخرى لا تقل أهمية عن سلسلة "دانيدين" إنها سلسلة قصص "حسمبا" وهي اختصار للكلمات العبرية "חבורת סוד מוחלט בהחלט- التي تعني مجموعة سرية للغاية"، وهي من تأليف الأديب الإسرائيلي "يجأل موسينزون"، وتحتل هذه السلسة مكانة بارزة لدي الأطفال في إسرائيل، وذلك منذ إقامتها حتى ويومنا هذا، وهي عبارة عن مجموعة من الأطفال اليهود يُقدمون على أنهم منقذون اليهود من بطش العرب،  وأنهم يستطيعون التغلب عليهم بسهولة بالغة بسبب ذكائهم الخارق. هذه السلسلة بدأ تأليفهم عام 1949 حتى عام 1994 ، وتصور العرب إما أنهم جباء خائفون أو لصوص مخادعون أو همج بدائيون.
وهناك أديبة إسرائيلية أخرى عُرفت بعنصريتها ضد العرب من خلال أعمالها الأديبة وهي "إستر شتريت"، التي وصفت العرب خلال قصتها " הבריחה- الهروب" بأنهم مجموعة من الحيوانات المفترسة المتعطشة لسفك الدماء التي تريد الانقضاض على اليهود والفتك بهم".
لكن الحديث عن الصورة النمطية للشخصية العربية كما أكدها البرفسيور "أدير كوهين" المحاضر في جامعة حيفا خلال الاستطلاع الذي أجراه على ما يقرب من 1700 قصة كتبت للأطفال أنه وجد أن 500 قصة تتناول الشخصية العربية بشكل مباشر أو غير مباشر بصورة سلبيية أو غير سلبية، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن الأدباء اليهود قسموا صفات الشخصية العربية إلى جزئين الأول سمات خارجية والثاني صفات داخلية
فالصفات الداخلية تصور العربي على أنه قاتل وهمجي وعدواني وكاذب ومخادع  وسارق محب للمال، وتمادت في صف الجندي العربي فقالت إنه جبان يفر وقت القتال ولا يستطيع مجابهة العدو أو الصمود في المعركة.

أما شكل العربي الخارجي فقد استشهدت الباحثة الإسرائيلية في أدب الأطفال "ياعيل طِف سيكر יעל טף סקר" في بحثها عن أدب الأطفال الذي كان عنوانه "السلام والحرب والطفولة :عرض للصراع الإسرائيلي-العربي في أدب الأطفال الإسرائيلي من 1967-1987" بقول المؤرخ والباحث في علم الاجتماعي الإسرائيلي "دانيئيل بار- تل דניאל בר-טל" الذي قال إنه: قبل قيام دولة إسرائيل حاول اليهود جعل العرب في مكانة غير شرعية، وقُدموا على أنهم مجموعة من الهمج والأفاعي، وعندما تزايدت وتيرة الصراع تم شيطنتهم من خلال وصفهم الخارجي حيث أصبح مجرد الحديث عن العربي يحمل معانيٍ سلبية كثيرة". فالعربي في هذه القصص يرتدي ملابس رثة وله شارب كثيف وشعره طويل ممتلي بالقمل كما أنه أعور العين إلى غير ذلك من الصفات التي يلصقونها بالشخصية العربية بهدف شيطانتها ونزع الصفة الإنسانية عنها.
وقد قالت "جولدا مئير[2] גולדה מאיר" إن الأطفال الإسرائيليين لا يتعلمون سوى قتل العرب :"לעולם לא אסלח לערבים על שאילצו את ילדינו ללמוד להרוג אותם"[3]."لن أغفر للعرب أبداً أنهم أجبروا أطفالنا على أن يتعلموا قتلهم"
كما نشرت الكاتبة الإسرائيلية في صحيفة هاآرتس "تمارا ماروز תמרה מרוז " تحليلاً لبعض قصص الأطفال وذلك في ملحق صحيفة هاآرتس بتاريخ 20/9/1974. تقول الكاتبة :"في الآونة الأخيرة بدأ بعض الآباء يكتشفون مضمون هذه القصص. يقول أحد الآباء: من المذهل حقاً رؤية مدى انجذاب الأطفال لهذه القصص فهي تحوي أوصافاً مفزعة سادية، أوصافاً تفصيلية سيئة ورسومات سافرة للعرب الذين يوصفون بصفات سلبية عديدة.
 لذلك كانت النتيجة هي أن الشخصية العربية في أدب الأطفال العبري هي شخصية مشوهة للغاية، فهو "أعور العين، وقاسي الوجه، وله ندبة في وجهه، وأنه بدين، وأن له شارباً كثيفاً، وأسنانه صفراء عفنة... إلخ كما تمادوا في وصفه فقالوا إنه "قاتل ومخرب ومخادع وغدار وخائن وسارق وكاذب ومتخلف وهمجي ومتوحش". هذه الصورة تعمدوا تقديمها لهؤلاء الصغار من خلال أعمالهم الأدبية، كي يبدو في عيونهم مثيراً للكراهية والاحتقار، ومن ثم ينزعون عنه صفته الإنسانية. والحقيقة أن أدب الأطفال العبري ينطلق من واقع خاص، إنه الصراع مع العرب؛ حيث ينطلق من فكرة مفادها أنه يتعين تعبئة الطفل اليهودي بأكبر كمية من السموم لبثها في الجسد العربي أينما وجد، ولا يترك الأدباء والكتَّاب الإسرائيليون سبيلاً أو منفذاً أو قناة باتجاه الطفل إلا استغلوها في تعبئته وشحنه ضد العربي، كما أنهم يستخدمون أيديولوجيا محددة ينطلقون منها باتجاه الطفل ليقرأ ما تختاره وتغرسه له العقلية العنصرية الصهيونية؛ حيث تضع العربي في صورة مهزوزة ومشوهة، صورة تدفع في صدر الطفل الإسرائيلي الكثير من الحقد والكراهية تجاه الإنسان العربي. كما أنها تصور العربي على أنه معتدٍ ومتوحش دائماً، ومخرب ومجرم وعدواني ولا يرعى حرمة النساء والأطفال وأنه همجي وبدائي لا يفهم إلا لغة القوة
اختلفت صورة العربي في أدب الأطفال العبري قبل حرب عام 1973  عنها بعد الهزيمة الإسرائيلية على يد الجيش المصري وجنوده البواسل في حرب أكتوبر عام 1973 ومن ثم اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. لذلك كان من الضروري تحديد السمات العامة لأدب الأطفال العبري قبل حرب أكتوبر عام 1973 وجاءت كما يلي
- من الملاحظ أن أدب الأطفال العبري أدب يجنح نحو تمجيد العنف والكراهية والعداء للشخصية العربية، ويرتبط بالتطورات السياسية والعسكرية لليهود في فلسطين، وليس من أجل الترفيه أو التسلية. كما أنه يعمل على إشباع الطفل الإسرائيلي بالفكر الصهيوني، الذي يعتمد على الكراهية والعنصرية تجاه الآخر. ويُظهر الأدباء من خلاله التفوق اليهودي على العرب في كافة مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والعسكرية، ونتيجة لذلك فإنه لايمكن تحقيق مبدأ المساواة بينهم.
- يُقدم هذا الأدب الشخصية العربية على أنها شخصية تتسم بالتخلف والجمود الفكري والحضاري، ولا تواكب التطور والتقدم، كما أنها شخصية لا يمكنها تحمل المسئولية، بسبب فكرها ومظهرها وسلوكها، كما يعمل هذا الأدب على تجريدها من كل القيم الإنسانية، فيصف العربي على أنه شخص يعيش في الصحراء ويلبس الكوفية ويرعى الأغنام، وفي وجهه ندبة وقذر ونتن وتنبعث منه رائحة كريهة وغيرها من الصفات السلبية.
- اعتمد أدب الأطفال على أسلوب النمطية في اختيار الشخصيات وفي اختيار المهن التي تمارسها، وهذا الاختيار عن قصد، بهدف التشهير بهذه الشخصية والتقليل منها، ووضعها في قالب نمطي تقليدي. ويقوم هذا الأدب بترسيخ موضوعات فكرية في أذهان الأطفال الصغار، مثل أنهم أصحاب الأرض الحقيقيون، وأن الفلسطينيين ليسو إلا غرباء عليها وليس لهم أي حق فيها.
- تعمد أدباء الأطفال عدم ذكر كلمة "فلسطيني" حتى لا يعطوا لتلك الكلمة أبعاداً تاريخية وجغرافية، ويطلقون بدلاً منها اسم إسرائيل أو البلاد، وعند ذكر الفلسطينيين يستخدمون كلمة مخربين أو إرهابيين.
- وجود قناعة ثابتة لدى بعض الأدباء الإسرائيليين عند تقديم العربي في أسوأ صورة أمام القارئ الصغير، كما أنهم أمعنوا في إلصاق العديد من الصفات والعبارات المهينة. فقد شبهوه بأنه مثل الحيوانات فورد في بعض القصص أنه "متوحش كالثعبان- جريئ كالنمر خبيث كالثعلب" ويهدف ذلك إلى نزعة الصفة الإنسانية عنه. كما أن القرى العربية والمساكن التي يقطنها العرب لم تسلم هي الأخرى فجاء فوصفها بأسوأ الصفات وأبشعها.



[1]هادي نعمان الهيتي، أدب الأطفال فلسفته - فنونهوسائطه، القاهرة بالاشتراك مع دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد والهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1 1977،ص72.
[2] جولدا مائير: ولدت عام1898 في كييف بأوكرانيا، توفيت عام 1978، كانت رئيس الحكومة الرابعة في إسرائيل، والمرآة الوحيدة التي شغلت المنصب، وقادت إسرائيل خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973. هاجرت إلى فلسطين عام 1906، كانت من أعضاء حزب عمال إسرائيل (מפא"י -מפלגת פועלי ארץ ישראל -) وأبرز المناصب التي شغلتها هي منصب رئيس الوزراء ووزيرة خارجية ووزيرة عمل. للمزيد انظر موقع الكنيست www.knesset.org.il
[3] ניב שטנדל، הישראליות, כפי שנוסחה ב-66 משפטים מכוננים، הארץ، 5-5-2014،     "17:30"

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus

الابتسامات

0102030405060708091011121314151617181920212223242526272829303132333435363738394041424344

design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة أقلام بلا هوية 2014 - 2015